كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فبعث محمد بن سلمة، فخرج محمد بن سلمة، وأبو نائلة، ورجلان آخران، فأتوه بالليل، وقالوا: أتيناك نستقرض منك شيئًا من التمر.
فخرج إليهم فقتلوه، ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم مع الجيش إلى بني النضير، فقال لهم: اخرجوا منها.
فإذا جاء وقت الجذاذ، فجذوا ثماركم.
فقالوا: لا نفعل.
فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم، نحن نعطيك الذي سألتنا.
قال: «لاَ ولكن اخْرُجُوا مِنْهَا، وَلَكُمْ مَا حَمَلَتِ الإِبِلُ إلاّ الحَلَقَةُ» يعني: السلاح، قالوا: لا.
فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، وأمر بقطع نخيلهم، ونقب بيوتهم.
فلما رأت اليهود ما يصنعون بهم، فكلما نقب المسلمون بيت فروا إلى بيت، آخر ينتظرون المنافقين.
وقد قال المنافقون لهم: لئن أخرجتم لنخرجن معكم، وإن قوتلتم لننصرنكم.
فلما رأوا أنه لا يأتيهم أحد من المنافقين ولحقهم من الشر ما لحقهم، قال بعضهم لبعض: ليس لنا مقام بعد النخيل، فنحن نعطيك يا أبا القاسم على أن تعتق رقابنا إلا الحلقة ونخرج، فأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، ولهم ما حملت الإبل إلا الحلقة.
فأخذ أموالهم، فقسمها بين المهاجرين، ولم يعطها أحدًا من الأنصار إلا رجلين كانا محتاجين مثل حاجة المهاجرين، وهما سهل بن حنيف وسماك بن خرشة أبو دجانة، فنزلت هذه الآية: {وَهُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب مِن ديارهم} يعني: بني النضير {لاِوَّلِ الحشر}، يعني: أول الإجلاء من المدينة.
وقال عكرمة: من شك بأن الحشر هو الشام، فليقرأ هذه الآية {هُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب مِن ديارهم لاِوَّلِ الحشر}.
فلما قال لهم: اخرجوا من المدينة، قالوا: إلى أين؟ قال: إلى أرض المحشر.
فقال لهم: إنهم أول من يحشر، وأخرج من ديارهم.
ثم قال: {مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ}، يعني: ما ظننتم أيها المؤمنين أن يخرجوا من ديارهم.
وذلك إن بني النضير كان لهم عز ومنعة، وظن الناس أنهم بعزهم ومنعتم لا يخرجون.
{وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ}، يعني: وحسبوا بني النضير أنهم {مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مّنَ الله} يعني: أن حصونهم تمنعهم من عذاب الله.
{فأتاهم الله}، يعني: أتاهم أمر الله، ويقال: {فأتاهم الله} بما وعد لهم.
{مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ}، يعني: لم يظنوا أنه ينزل بهم، وهو قتل كعب بن الأشرف، ويقال: خروج النبي صلى الله عليه وسلم مع الجيش إليهم.
{وَقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرعب}، يعني: جعل في قلوبهم الخوف.
{يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى المؤمنين}.
وذلك أنهم حصنوا أزقتهم بالدروب، وكان المسلمون ينقبون بيوتهم، ويدخلونها، وكان اليهود ينقبون بيوتهم من الجانب الآخر ويخرجون منها.
ويقال: كان اليهود ينقبون بيوتهم، ليرموا بها على المسلمين؛ وكان المسلمون يخربون نواحي بيوتهم، ليتمكنوا من الحرب.
ويقال: كان اليهود أنفقوا في بيوتهم، فلما علموا أنهم يخرجون منها، جعلوا يخربونها كيلا يسكنها المسلمون؛ وكان المؤمنون يخربونها، ليدخلوا عليهم.
قرأ أبو عمرو {يُخْرِبُونَ} بالتشديد.
والباقون بالتخفيف.
قال بعضهم: هما لغتان: خرب وأخرب.
وروي عن الفراء أنه قال: من قرأ بالتشديد، فمعناه يهدمون؛ ومن قرأ بالتخفيف، فمعناه يعطلون.
ثم قال: {فاعتبروا يا أولي الابصار}، يعني: من له البصارة في أمر الله.
قوله عز وجل: {وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الجلاء}، يعني: لولا أن قضى الله عليهم الإخراج من جزيرة العرب إلى الشام، {لَعَذَّبَهُمْ في الدنيا}؛ يعني: لعذبهم بالقتل والسبي.
{وَلَهُمْ في الآخرة عَذَابُ النار}، يعني: ذلك الذي أصابهم من الجلاء في الدنيا والعذاب في الآخرة.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ الله وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقّ الله}، يعني: خالفوا الله ورسوله في الدين، ويقال: عادوا الله ورسوله.
{وَمَن يُشَاقّ الله} وأصله من يشاقق الله، إلا أن إحدى القافين أدغمت في الأخرى وشددت، يعني: من يخالف الله ورسوله في الدين، {فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب}، يعني: إذا عاقب، فعقوبته شديدة.
قوله عز وجل: {مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ} يعني: من نخلة {أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً على أُصُولِهَا} فلم تقطعوها، {فَبِإِذْنِ الله} يعني: بأمر الله.
وقال عكرمة: لما دخل المسلمون على بني النضير، أخذوا يقطعون النخل، فنهاهم بعضهم، وتأولوا قوله تعالى: {وَإِذَا تولى سعى في الأرض لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحرث والنسل والله لاَ يُحِبُّ الفساد} [البقرة: 205] وقال بعضهم: يقطع ويتأول قوله تعالى: {مَا كَانَ لأَهْلِ المدينة وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ الاعراب أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ الله وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذلك بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ في سَبِيلِ الله وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الكفار وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} [التوبة: 120]، فأنزل الله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً على أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله}.
وقال الزهري في قوله: {مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ} اللينة: ألوان النخل كلها إلا العجوة، وقال الضحاك: اللينة: النخلة الكرمة والشجرة الطيبة المثمرة، وقال مجاهد: اللينة: الشجرة المثمرة.
وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: نهى بعض المهاجرين بعضًا عن قطع النخل، وقالوا: إنما هي مغانم المسلمين.
فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعها، وبتحليل من قطعها، وإنما قطعها وتركها بإذن الله تعالى.
وعن ابن عباس أنه قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع النخل، فشق ذلك على بني النضير مشقة شديدة، فقالوا للمؤمنين: تزعمون أنكم تكرهون الفساد وأنتم تفسدون في الأرض، فدعوها قائمة؛ فإنما هي لمن غلب، فنزل: {مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ} واللينة هي النخلة كلها ما خلا العجوة {أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً على أُصُولِهَا} وهي العجوة {فَبِإِذْنِ الله} يعني: القطع والترك بإذن الله.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر عبد الله بن سلام، وأبا ليلى المازني بقطع النخل، فكان أبو ليلى يقطع العجوة، وكان عبد الله بن سلام يقطع اللون، فقيل لأبي ليلى: لِمَ تقطع العجوة؟ قال: لأن فيه كبت العدو.
وقيل لابن سلام: لِمَ تقطع اللون، قال: لأني أريد أن تبقى العجوة للمسلمين.
فأنزل الله تعالى رضًا بما فعل الفريقان، فقال الله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً على أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله}.
ثم قال عز وجل: {وَلِيُخْزِىَ الفاسقين} يعني: وليذل العاصين الناقضين العهد.
ثم قال عز وجل: {وما أفاء الله على رسوله} يعني ما أعطى الله رسوله من بني النضير وذلك أنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقسم أموالهم بين جميع المسلمين كما قسم أموال بدر فلم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقسم بين فقراء المهاجرين فنزل {وما أفاء الله على رسوله منهم} يعني ما أعطى الله رسوله من أموال بني النضير {فما أوجفتم} يعني ما أجريتم {عليه من خيل ولا ركاب} يعني لا على خيل ولا على إبل أتيتم بل إنكم مشيتم مشيا حتى فتحتموها.
ويقال أوجف الفرس والبعير إذا أسرعا يعني لم يكن عن غزوة أوجفتم خيلا ولا ركابا {ولكن الله يسلط رسله} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم {على من يشاء} من بني النضير والله على كل شيء قدير من النصرة والغنيمة.
ثم بين لمن يعطي تلك الغنائم فقال: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى} يعني من بني النضير وفدك ويقال بني قريظة والنضير وخيبر {فلله وللرسول} يعني لله أن يأمركم فيه بما أحب.
وروى عبد الرازق عن معمر عن الزهري قال كانت بنو النضير للنبي صلى الله عليه وسلم خالصا لم يفتحوها عنوة ولكن افتتحوها على صلح فقسمها بين المهاجرين.
ثم قال: {ولذي القربى} يعني قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم {واليتامى والمساكين وابن السبيل}.
وروى مالك بن أنس عن عمر قال كانت للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا بني النضير وخيبر وفدك.
فأما بنو النضير فكانت حبسا لنوائبه وأما فدك فكانت لابن السبيل وأما خيبر فجزأها ثلاثة أجزاء فقسم جزأين بين المسلمين وحبس جزءا للنفقة. فما فضل عن أهله رده إلى فقراء المسلمين.
ثم قال: {كي لا يكون} المال {دولة}.
قرأ أبو جعفر المدني {دولة} بالضم وجعله اسم يكون وقراءة العامة بالنصب يعني لكي لا يكون دولة.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي {دولة} بنصب الدال والباقون بالضم {دولة} فمن قرأ بالضم فهو اسم المال الذي يتداول فيكون مرة لهذا ومرة لهذا.
وأما النصب فهو النقل والانتقال من حال إلى حال {بين الأغنياء منكم} يعني لكيلا يغلب الأغنياء على الفقراء ليقسموه بينهم. ثم قال: {وما آتاكم الرسول فخذوه} يعني ما أعطاكم النبي صلى الله عليه وسلم من الغنيمة فخذوه ويقال وما أمركم الرسول فاعملوا به {وما نهاكم عنه فانتهوا} يعني فامتنعوا عنه.
{واتقوا الله إن الله شديد العقاب} لمن عصاه.
ثم ذكر أن الفيء للمهاجرين يعني الغنائم {للفقراء المهاجرين} {الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم} يعني تركوا أموالهم وديارهم في بلادهم وهاجروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقال هذا ابتداء ومعناه عليكم بالفقراء المهاجرين يعني اعرفوا حقهم وصلوهم {الذين أخرجوا من ديارهم} يعني أخرجهم أهل مكة من ديارهم وأموالهم.
{يبتغون فضلا من الله ورضوانا} يعني يطلبون رزقا في الجنة ورضوان الله تعالى: {وينصرون الله ورسوله} بالسيف يعني يطيعون الله فيما أمرهم بطاعته.
{أولئك هم الصادقون} يعني الصادقين في إيمانهم فطابت أنفس الأنصار في ذلك فقالوا هذا كله لهم وأموالنا أيضا لهم.
فأثنى الله تعالى على الأنصار فقال عز وجل والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يعني استوطنوا الدار يعني دار المدينة من قبل هجرتهم يعني نزلوا دار الهجرة في المدينة {والإيمان} يعني تبوءوا الإيمان أي كانوا مؤمنين من قبل أن هاجر إليهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
قال الله تعالى: {يحبون من هاجر إليهم} يعني يحبون من يقدم إليهم من المؤمنين {ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا} يعني لا يكون في قلوبهم حسدا مما أعطوا يعني المهاجرين.
ويقال حاجة يعني حزازة وهو الحزن ويقال: {ولا يجدون في صدورهم} بخلا وكراهة بما أعطوا.
{ويؤثرون على أنفسهم} في القسمة من الغنيمة يعني تركوها للمهاجرين.